وسط شتاء قاسٍ.. أطباء بلا حدود تحذر من كارثة إنسانية تهدد حياة أطفال غزة

وسط شتاء قاسٍ.. أطباء بلا حدود تحذر من كارثة إنسانية تهدد حياة أطفال غزة
أطفال من غزة يحاولون التدفئة

تتفاقم المأساة الإنسانية في قطاع غزة مع حلول فصل الشتاء، حيث بات الأطفال من أكثر الفئات عرضة للموت بسبب البرد وسوء التغذية وانهيار الخدمات الصحية، في ظل استمرار القيود المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية، وفي تحذير جديد يعكس خطورة الوضع، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن أطفال غزة يموتون نتيجة انخفاض درجات الحرارة، داعية إلى تحرك عاجل يسمح بإدخال مساعدات كافية تضمن الحد الأدنى من مقومات البقاء.

وأكدت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها، السبت، أن رضيعاً يبلغ من العمر 29 يوماً توفي داخل مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، بعد ساعتين فقط من وصوله إلى جناح الأطفال الذي تدعمه فرق المنظمة، وأوضحت أن الطفل وصل وهو يعاني من انخفاض حاد في درجة حرارة الجسم، ورغم جميع محاولات الطواقم الطبية لإنقاذه، لم تفلح الجهود في إنقاذ حياته، في مشهد يلخص حجم العجز الطبي المفروض على القطاع وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

وحذرت المنظمة من أن طقس الشتاء القاسي بالتزامن مع ظروف المعيشة المتدهورة أصلاً، يؤديان إلى مضاعفة المخاطر الصحية، خاصة على الأطفال والرضع، وأشارت إلى أن مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون في خيام مؤقتة ومتهالكة لا توفر أي حماية من الأمطار أو الرياح، ومع كل منخفض جوي تتحول هذه الخيام إلى مصائد للمياه والبرد.

ارتفاع الأمراض بين الأطفال

وأفادت أطباء بلا حدود أن فرقها الطبية تواصل تسجيل معدلات مرتفعة من التهابات الجهاز التنفسي، محذرة من أن هذه الحالات مرشحة للازدياد طول فصل الشتاء، وأكدت أن الأطفال دون سن 5 سنوات هم الأكثر عرضة لهذه الأمراض، في ظل ضعف المناعة الناتج عن سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية، ما يشكل تهديداً مباشراً لحياتهم.

وفي ختام بيانها، دعت منظمة أطباء بلا حدود السلطات الإسرائيلية إلى السماح الفوري بتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وعلى نطاق واسع، مؤكدة أن استمرار القيود الحالية يحرم السكان من وسائل الصمود الأساسية ويحول الظروف الجوية القاسية إلى عامل قاتل.

وفي وقت سابق من يوم أمس الجمعة، حذر أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية من مؤشرات خطرة كشفت عنها التقارير الأممية الأخيرة، وعلى رأسها تقرير التصنيف المرحلي للأمن الغذائي، وأوضح أن أكثر من 100000 طفل دون سن 6 سنوات يعانون من انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، بينهم نحو 37000 طفل في وضع حرج يهدد حياتهم بشكل مباشر.

نساء حوامل في خطر

وأشار الشوا إلى أن الأزمة تطول أيضاً النساء الحوامل والمرضعات، حيث تواجه نحو 37000 امرأة انعداماً غذائياً حاداً، ما ينعكس على صحتهن وصحة أطفالهن، ويزيد من مخاطر الولادات المعقدة وانتشار سوء التغذية بين الرضع.

وأوضح أن التقارير الأممية تحدثت عن تحسن نسبي ومحدود في دخول بعض المساعدات الغذائية، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى تخفيف استخدام مصطلح المجاعة في توصيف الوضع، إلا أن هذا التحسن لا يعني زوال الخطر، وأكد أن الواقع لا يزال شديد الهشاشة، وأن أي توقف أو تراجع في تدفق المساعدات قد يعيد القطاع إلى حافة المجاعة الكاملة.

وشدد الشوا على أن الجيش الإسرائيلي يواصل تقييد إدخال المساعدات، ولا سيما تلك المتعلقة بالسلسلة الغذائية المتكاملة، وهو ما يمنع وصول الغذاء بشكل مستدام ومتوازن، وأوضح أن هذا الواقع ينعكس مباشرة على صحة الأطفال والنساء وكبار السن، ويؤدي إلى تفشي أمراض مرتبطة بسوء التغذية وضعف المناعة.

ولفت مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية إلى أن الأزمة في قطاع غزة لا تقتصر على الغذاء فقط، بل تمتد إلى القطاع الصحي والمائي والنفسي وملف الإيواء. وأكد أن ما دخل إلى القطاع من مستلزمات طبية لا يتجاوز 10 بالمئة من الاحتياجات الفعلية، في وقت يقدر فيه العجز الدوائي بنحو 52 بالمئة من قائمة الأدوية الأساسية، ما يضع المستشفيات أمام عجز شبه كامل عن التعامل مع الحالات الطارئة.

منخفض يكشف حجم الانهيار

وأشار الشوا إلى أن تداعيات المنخفضات الجوية الأخيرة كشفت بشكل واضح حجم الانهيار الإنساني في قطاع غزة، حيث غرقت الخيام بالمياه، وتعرض آلاف الأطفال للبرد القارس دون أغطية أو وسائل تدفئة، وأكد أن هذه المشاهد تعكس واقعاً إنسانياً منهاراً، وتدل على أن المجاعة لا تزال قائمة بأشكال متعددة، حتى وإن تغيرت التوصيفات التقنية في التقارير الدولية.

يعاني قطاع غزة منذ سنوات من حصار مشدد أدى إلى تدهور شامل في مختلف مناحي الحياة، ومع تصاعد العمليات العسكرية والقيود المفروضة على إدخال المساعدات، دخل القطاع في واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية. 

يعتمد أكثر من 80 بالمئة من السكان على المساعدات الإنسانية، في حين يعاني النظام الصحي من نقص حاد في الأدوية والمعدات والوقود، ومع حلول فصل الشتاء وتكرار المنخفضات الجوية، تتحول الخيام ومراكز الإيواء المؤقتة إلى بيئة غير صالحة للحياة، ما يضاعف معاناة الأطفال والنساء وكبار السن. 

وفي ظل غياب التزام فعلي بتطبيق الالتزامات الإنسانية، تبقى التحذيرات الصادرة عن المنظمات الدولية والحقوقية بمنزلة إنذار متكرر من كارثة إنسانية مستمرة، يدفع ثمنها المدنيون، وعلى رأسهم الأطفال.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية